
حددت المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو يوم 13 فبراير من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بالراديو، ويرجع ذلك الاختيار إلى اليوم الذي بدأ فيه بث أول إذاعة للأمم المتحدة في عام 1946.
و يصادف اليوم 13- 2 اليوم العالمي للإذاعة ويأتي بشعار ( الإذاعة مائة عام من الإعلام والتسلية والتعلم ).
ويتمحور اليوم العالمي للإذاعة لعام 2024 حول المواضيع التالية:
البصمة التاريخية للإذاعة في مجالات الأنباء والدراما والموسيقى والرياضة وغيرها، والنفوذ القوي الذي تمارسه عليها.
قيمة الإذاعة كمنفعة دائمة، بوصفها أداةً مأمونة، ومجانية إلى حد ما، ومتنقلة، يستخدمها الناس في حالات الطوارئ وعند انقطاع التيار الكهربائي في إثر وقوع كوارث طبيعية وكوارث من صنع الإنسان، مثل العواصف والزلازل والفيضانات والارتفاع الشديد لدرجات الحرارة وحرائق الغابات والحوادث والحروب.
قيمة الإذاعة كأداة ديمقراطية مستدامة، إذ تعمل بمثابة جهة محلية تحفز الفئات المحرومة داخل المجتمع على إقامة الصلات فيما بينها، ولا سيما المهاجرون وأهل الدين والأقليات والفقراء، وتعطي مؤشرات فورية عن الرأي العام الذي يُدلى به في الأماكن العامة تحت شعار حرية التعبير.
واليونسكو على علم ويقين بالتنوع الهائل لنماذج العمل الإذاعي وبنيته التكنولوجية في جميع أنحاء العالم، وكذلك بالطابع المستقل للشركات والمنظمات التابعة له، الكبيرة منها والصغيرة، وبخصوصيات المذيعين على الهواء. وبالتالي، تشجّع اليونسكو المذيعين على إضفاء لمسة من ثقافتهم وأسلوبهم ومشاعرهم على الفعاليات الخاصة التي ينظمونها قبل يوم 13 شباط/فبراير وبعده.
فاليوم العالمي للإذاعة هو أيضاً فرصة تسمح لمذيعي المحطات الإذاعية بالتواصل على الهواء مع نظرائهم في العالم أجمع. وتدعو اليونسكو المحطات الإذاعية إلى أخذ زمام المبادرة في مثل هذه الفعاليات.
ومن الأهمية بمكان أن تواصل الإذاعة، هذه الوسيلة الإعلامية الشعبية البارزة، مسيرتها الرائعة التي بدأتها منذ مائة عام وأن تظل منبراً يُستند إليه للتعبير عن الرأي بحرية وأداةً للفرح واكتساب المعرفة. وبما أننا نفتخر بسرد رواية الإذاعة، فدعونا نرحب بمستقبل مئويتها القادمة.
مع احتفال العالم باليوم العالمي للإذاعة يطرح سؤال بعينه كل مرة، ألا وهو: هل ستبقى الإذاعة وسيطًا إعلامياً، وهل سيظل لها دور في عصر وسائط التواصل الإجتماعي التي أخذت تشغل اهتمام معظم الناس هذه الأيام؟
وبالرغم من توسع رقعة وسائط التواصل الإجتماعي بين الأفراد بعد انتشار الهواتف الذكية في معظم بقاع الأرض، مع من يستطيع تحمل تكلفة الإنترنت وخط الهاتف، فلا يزال الراديو أكثر وسائل الإعلام إتاحة للناس في سهولة ويسر وبأقل تكلفة.
فبعد اختراع الأجهزة التي تشحن يدوياً ولا تحتاج إلى بطاريات، وتلك التي تشحن بالطاقة الشمسية، أصبح جهاز الراديو متاحاً في كل مكان، وأخذت الإذاعة تتسلل معه إلى أرجاء جديدة.
وقد تكون طبيعة الراديو ذاتها أحد العوامل التي هيأت له البقاء حتى الآن، وستكفل له طول العمر في المستقبل.
فهو وسيط يمنحك حرية تخيل وتصوير ما تسمعه إذ يمكنك رسم تصور للمذيع أو المذيعة في ذهنك في الصورة التي تحلو لك، ورسم صورة للأحداث التي تنقل إليك في رأسك بحرية يفتقدها مشاهدو التليفزيون.
وإن كان الراديو يكلم الملايين، في القرى والمدن والبلدات، والأقطار، فإنه في الوقت ذاته يتكلم إليك أنت وحدك، فأصواته موجهة إليك، تتسلل إلى رأسك عبر أذنيك لتظل بداخلك فيكون تأثيرها أكبر.
فهو أداة شخصية، أما التليفزيون فوسيلة جماعية، إذ عادة ما يشاهده الناس جماعاتٍ.
ويتميز الراديو بالسرعة في نقل الحدث المباشر، فالإذاعي لا يحتاج فيه إلا إلى جهاز تسجيل وميكروفون. وليس أمام الراديو حدود، فإشاراته تبلغ الجبال والمحيطات، والريف والحضر، وهو لذلك وسيلة مهمة للتقارب بين الثقافات.
ويستطيع مستمعو الراديو الاستماع إليه وهم منهمكون في أداء عمل آخر، على نقيض التليفزيون والصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويتميز الراديو بميزة أخرى، هي أن عدته الوحيدة في التواصل هي الصوت البشري بما يحمله من لكنة مميزة لكل مذيع، وما فيه من دفء، وعاطفة، وغضب، وألم، وضحك أحيانا، وما يطرأ عليه من تردد، وتوقف، وبطء أو إسراع، وعلو أو انخفاض في الصوت.
وتعمل الإذاعة على إعلامنا وتغيير أحوالنا عن طريق برامجها الترفيهية والإخبارية، وكذلك البرامج الحوارية التي تُشرك فيها المستمعين فلا يشعر الإنسان الذي يملك مذياعاً بالوحدة أبداً، بل يشعر دائماً بوجود صديق له في الإذاعة.
هل ستبقى الإذاعة وسيطاً إعلامياً مهماً؟
عبر التاريخ، ومنذ نشوء وسائل الاعلام المختلفة وتطورها، السؤال نفسه كان ولا يزال يطرح مع ظهور أي وسيلة اعلام او اتصال جديدة: هل ستبقى الإذاعة وسيطا إعلاميا مهما؟ وهل سيظل لها دور في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي أخذت تشغل اهتمام معظم الناس هذه الأيام؟
هذا السؤال عينه طرح مع ظهور التلفاز، ثم الكمبيوتر، ثم شبكات الانترنت والأجهزة الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، وأثبتت التجارب في كل مرة ان الجواب واحد: لا شيء يمكن أن يحل محل الاذاعة أو يلغي دورها، فبعد مرور أكثر من 100 عام على أول بث إذاعي، لا يزال الراديو وسيلة إعلامية اساسية في أنحاء العالم كافة، ولم ينحسر دوره أو ينزوي، فقد بسط الراديو سلطانه، ليس فقط عبر الأثير، بل على الفضاء الافتراضي أيضا، فأصبح بإمكان جماهيره الاستماع إلى مئات المحطات الإذاعية دون الحاجة إلى مذياع، عبر الإنترنت، ومن خلال تطبيقات على أجهزة الهواتف الذكية، والأجهزة الإلكترونية المحمولة، أي أن الراديو قد عرف كيف يستفيد من ثورة التكنولوجيا الرقمية إلى حد كبير، إذ جعلت تلك التكنولوجيا أدوات الإذاعة والتسجيل أصغر، وأخف وزنا، وأسرع أداء، وأرخص سعرا، كما خلقت ثورة في طرق تسجيل الأصوات والموسيقى، والتحكم في نوعيتها وسهولة سبل التعامل معها في المونتاج، وبالرغم من توسع رقعة وسائل التواصل الاجتماعي بين الأفراد بعد انتشار الهواتف الذكية في معظم بقاع الأرض، لا يزال الراديو أكثر وسائل الإعلام إتاحة للناس في سهولة ويسر وبأقل تكلفة، فهو أولا رفيق الناس الطبيعي في سياراتهم، وبعد اختراع الأجهزة الذكية، أصبح الراديو متاحا بين يديك في كل مكان وزمان.
بالاضافة الى ذلك، قد تكون طبيعة الراديو أحد العوامل التي هيأت له البقاء حتى الآن، وستكفل له طول العمر في المستقبل، فهو يمنحك حرية تخيل وتصوير ما تسمعه، إذ يمكنك رسم تصور للمذيع أو المذيعة في ذهنك في الصورة التي تحلو لك، ورسم صورة للأحداث التي تنقل إليك في رأسك بحرية يفتقدها مشاهدو التليفزيون، ومع استفادة الراديو من وسائل التواصل الاجتماعي، صار متاح لك أيضا أن تشاهد المذيع الذي تستمع اليه وتتعرف الى شكله اذا رغبت في ذلك، ما يجعله أقرب اليك ويجعلك أقرب اليه، ومن ميزات الراديو ايضا انك تستطيع الاستماع إليه وانت منهمك في أداء عمل آخر، على نقيض التليفزيون والصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن مميزات التي قد لا ينافسه فيها وسيط آخر -كما يقول خورخي ألباريز رئيس الأكاديمية الأسبانية للراديو- تخطيه للحدود، ووصوله بحرية، وبسعر زهيد، إلى نواحي العالم المختلفة.
عود على بدء، يمكننا القول في الخلاصة، ان لا شيء سيأخذ مكان الاذاعة أو يلغي دورها، بل ستبقى باختلافها وتميزها،وتبقى محط ثقة لدى المستمعين وتبقى وسيلة الاعلام الاكثر سلاسة ودفءا في كل زمان ومكان، وستتمكن دوما من الاسفادة من أي وسيلة جديدة لصالحها، لا بل ان تكنولوجيا وسائل الاعلام الحديثة هي التي تحاول اللحاق بالاذاعة والاستفادة منها أيضا، ولعل البودكاست خير دليل على ذلك.
كل عام ومستمعي راديو الرابعة بألف خير.